بيانات العضو | مسلمة | عضو ذهبى |
| |
معلومات العضو | الجنس : عدد المساهمات : 931 عدد النقاط : 28265
|
| موضوع: أول خطبة جمعة في المسجد الأقصى بعد تحرير صلاح الدين له 02/04/10, 01:29 pm | |
|
شنواري/ أنا المسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لَـمَّا تَطَهَّرَ بَيْتُ الْـمَقْدِسِ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الصُّلْبَانِ وَالنَّوَاقِيسِ، وَالرُّهْبَانِ وَالْخَنَازِيرِ وَالقَسَاقِيسِ، وَدَخَلَهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَنُودِيَ بِالْأَذَانِ، وَقُرِئَ الْقُرْآنُ، وَوُحِّدَ الرَّحْمَنُ، فَكَانَ إِقَامَةُ أَوَّلِ جُمُعَةٍ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ شَعْبَانَ، بَعْدَ يَوْمِ الْفَتْحِ بِثَمَانٍ، فَنُصِبَ الْمِنْبَرُ إِلَى جَانِبِ الْمِحْرَابِ، وَبُسِطَتِ الْبُسُطُ، وَعُلِّقَتِ الْقَنَادِيلُ وَتُلِيَ التَّنْزِيلُ، وَجَاءَ الْحَقُّ وَبَطَلَتْ تِلْكَ الْأَبَاطِيلُ، وَصُفَّتِ السَّجَّادَاتُ، وَكَثُرَتِ السَّجَدَاتُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَوَاتُ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ، وَخَرِسَ الْقِسِّيسُونَ، وَزَالَ الْبُؤْسُ، وَطَابَتِ النُّفُوسُ، وَأَقْبَلَتِ السُّعُودُ، وَأَدْبَرَتِ النُّحُوسُ، وَعُبِدَ اللهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }، وَكَبَّرَهُ الرَّاكِعُ وَالسَّاجِدُ، وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ، وَامْتَلَأَ الْجَامِعُ، وَسَالَتْ لِرِقَّةِ الْقُلُوبِ الْـمَدَامِعُ، وَلَـمَّا أَذَّنَ الْـمُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ كَادَتِ الْقُلُوبُ تَطِيرُ مِنَ الْفَرَحِ فِي ذَلِكَ الْحَالِ، وَلَمْ يَكُنِ السُّلْطَانُ عَيَّنَ خَطِيبًا، فَبَرَزَ مِنَ السُّلْطَانِ الْـمَرْسُومُ الصَّلَاحِيُّ وَهُوَ فِي قُبَّةِ الصَّخْرَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ الْيَوْمَ خَطِيبًا، فَلَبِسَ الْخِلْعَةَ السَّوْدَاءَ، وَخَطَبَ لِلنَّاسِ خُطْبَةً سَنِيَّةً فَصِيحَةً بَلِيغَةً، ذَكَرَ فِيهَا شَرَفَ الْبَيْتِ الْـمَقْدِسِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَالتَّرْغِيبَاتِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْأَمَارَاتِ، وَهَا هِيَ:
قَالَ: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}. {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}. {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْإِرْضِ}. {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}...
-ثُمَّ أَوْرَدَ تَحْمِيدَاتِ الْقُرْآنِ كُلَّهَا- ثُمَّ قَالَ:
الْحَمْدُ لِلهِ مُعِزِّ الْإِسْلَامِ بِنَصْرِهِ، وَمُذِلِّ الشِّرْكِ بِقَهْرِهِ، وَمُصَرِّفِ الْأُمُورِ بِأَمْرِهِ، وَمُدِيمِ النِّعَمِ بِشُكْرِهِ، وَمُسْتَدْرِجِ الكَافِرِينَ بِمَكْرِهِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ أَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، الْقَاهِرِ فَوْقَ عِبَادِهِ فَلَا يُمَانَعُ، وَالظَّاهِرِ عَلَى خَلِيقَتِهِ فَلَا يُنَازَعُ، وَالْآمِرِ بِمَا يَشَاءُ فَلَا يُرَادَعُ، وَالْحَاكِمِ بِمَا يُرِيدُ فَلَا يُدَافَعُ. أَحْمَدُهُ عَلَى إِظْفَارِهِ وَإِظْهَارِهِ، وَإِعْزَازِهِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَنَصْرِهِ لِأَنْصَارِهِ، وَتَطْهِيرِهِ بَيْتَهُ الْـمَقْدِسَ مِنْ أَدْنَاسِ الشِّرْكِ وَأَوْزَارِهِ.. حَمْدَ مَنِ اسْتَشْعَرَ الْحَمْدَ بَاطِنَ سِرِّهِ وَظَاهِرَ جِهَارِهِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} شَهَادَةَ مَنْ طَهَّرَ بِالتَّوْحِيدِ قَلْبَهُ، وَأَرْضَى بِهِ رَبَّهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَافِعُ الشُّكْرِ، وَدَاحِضُ الشِّرْكِ، وَرَاحِضُ الْإِفْكِ، الَّذِي أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْـمَسْجِد الْحَرَامِ إِلَى هَذَا الْـمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَعُرِجَ بِهِ مِنْهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلَا، إِلَى سِدْرَةِ الْـمُنْتَهَى، {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْـمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى خَلِيفَتِهِ الصِّدِّيقِ السَّابِقِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوَّلِ مَنْ رَفَعَ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ شِعَارَ الصُّلْبَانِ، وَعَلَى أَمِيرِ الْـمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ذِي النُّورَيْنِ جَامِعِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى أَمِيرِ الْـمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مُزَلْزِلِ الشِّرْكِ وَمُكَسِّرِ الْأَوْثَانِ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ..
أَيُّهَا النَّاسُ! أَبْشِرُوا بِرِضْوَانِ اللهِ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى، وَالدَّرَجَةُ الْعُلْيَا، لِـمَا يَسَّرَهُ اللهُ عَلَى أَيْدِيكُمْ مِنِ اسْتِرْدَادِ هَذِهِ الضَّالَّةِ مِنَ الْأُمَمِ الضَّالَّةِ، وَرَدِّهَا إِلَى مَقَرِّهَا مِنَ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ابْتِذَالِهَا فِي أَيْدِي الْـمُشْرِكِينَ قَرِيباً مِنْ مِائَةِ عَامٍ، وَتَطْهِيرِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَذِنَ اللهُ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنْ يُذْكَرَ فِيهِ اسْمُهُ، وَإِمَاطَةِ الشِّرْكِ عَنْ طُرُقِهِ بَعْدَ أَنِ امْتَدَّ عَلَيْهَا رَوَاقُهُ، وَاسْتَقَرَّ فِيهَا رَسْمُهُ، وَرَفْعِ قَوَاعِدِهِ بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَيْهِ، وَبِالتَّقْوَى فَإِنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ خَلْفِهِ وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَهُوَ مَوْطِنُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، وَمِعْرَاجُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِبْلَتُكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُصَلُّونَ إِلَيْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ.
وَهُوَ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ, وَمَقْصِدُ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَفَرُّ الرُّسُلِ، وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَمَنْزِلُ تَنَزُّلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَهُوَ فِي أَرْضِ الْـمَحْشَرِ وَصَعِيدِ الْـمَنْشَرِ، وَهُوَ فِي الْأَرْضِ الْـمُقَدَّسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ الْـمُبِينِ. وَهُوَ الْـمَسْجِدُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَلَائِكَةِ الْـمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ الْبَلَدُ الَّذِي بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَتَهُ الَّتِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحَهُ عِيسَى الَّذِي شَرَّفَهُ اللهُ بِرِسَالَتِهِ، وَكَرَّمَهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَلَمْ يُزَحْزِحْهُ عَنْ رُتْبَةِ عُبُودِيَّتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْـمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ} وَقال تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْـمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْـمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}. وَهُوَ أَوَّلُ الْقِبْلَتَيْنِ، وَثَانِي الْـمَسْجِدَيْنِ، وَثَالِثُ الْحَرَمَيْنِ، لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ بَعْدَ الْـمَسْجِدَيْنِ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا تُعْقَدُ الْخَنَاصِرُ بَعْدَ الْـمَوْطِنَيْنِ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّكُمْ مِمَّنِ اخْتَارَهُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ وَاصْطَفَاهُ مِنْ سُكَّانِ بِلَادِهِ لَـمَا خَصَّكُمْ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي لَا يُجَارِيكُمْ فِيهَا مُجَارٍ، وَلا يُبَارِيكُمْ فِي شَرَفِهَا مُبَارٍ، فَطُوبَى لَكُمْ مِنْ جَيْشٍ صَارَتْ عَلَى أَيْدِيكُمُ الْـمُعْجِزَاتُ النَّبَوِيَّةُ، وَالْوَقَعَاتُ الْبَدْرِيَّةُ، وَالْعَزَمَاتُ الصِّدِّيقِيَّةُ، وَالْفُتُوحُ الْعُمَرِيَّةُ، وَالْجُيُوشُ الْعُثْمَانِيَّةُ، وَالْفَتَكَاتُ الْعَلَوِيَّةُ.. جَدَّدْتُمْ لِلْإِسْلَامِ أَيَّامَ الْقَادِسِيَّةِ، وَالْوَقَعَاتِ الْيَرْمُوكِيَّةَ، وَالْـمُنَازَلَاتِ الْخَيْبَرِيَّةَ، وَالْهَجَمَاتِ الْخَالِدِيَّةَ.. فَجَزَاكُمُ اللهُ عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ، وَشَكَرَ لَكُمْ مَا بَذَلْتُمُوهُ مِنْ مُهَجِكُمْ فِي مُقَارَعَةِ الْأَعْدَاءِ، وَتَقَبَّلَ مِنْكُمْ مَا تَقَرَّبْتُمْ بِهِ إِلَيْهِ مِنْ مُهْرَاقِ الدِّمَاءِ، وَأَثَابَكُمُ الْجَنَّةَ فَهِيَ دَارُ السُّعَدَاءِ.. فَاقْدُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ هَذِهِ النِّعْمَةَ حَقَّ قَدْرِهَا، وَقُومُوا لِهَِ تَعَالَى بِوَاجِبِ شُكْرِهَا، فَلَهُ النِّعْمَةُ عَلَيْكُمْ بِتَخْصِيصِكُمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وَتَرْشِيحِكُمْ لِهَذِهِ الْخِدْمَةِ؛ فَهَذَا هُوَ الْفَتْحُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَبَلَّجَتْ بِأَنْوَارِهِ وُجُوهَ الظَّلْمَاءِ، وَابْتَهَجَ بِهِ الْـمَلَائِكَةُ الْـمُقَرَّبُونَ، وَقَرَّ بِهِ عَيْناً الْأَنْبِيَاءُ وَالْـمُرْسَلُونَ. فَمَاذَا عَلَيْكُمْ مِنَ النِّعْمَة بِأَنْ جَعَلَكُمُ الجَيْشَ الَّذِي يُفْتَحُ عَلَيْهِ الْبَيْتُ الْـمَقْدِسُ آخِرَ الزَّمَانِ، وَالْجُنْدَ الَّذِي تَقُومُ بِسُيُوفِهِمْ -بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ النُّبُوَّةِ- أَعْلَامُ الْإِيمَانِ، فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ التَّهَانِي بِهِ بَيْنَ أَهْلِ الْخَضْرَاءِ أَكْثَرَ مِنَ التَّهَانِي بِهِ بَيْنَ أَهْلِ الْغَبْرَاءِ، أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْتَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي خِطَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْـمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْـمَسْجِدِ الْأَقْصَى}؟ هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي عَظَّمَتْهُ الْـمُلُوكُ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ الرُّسُلُ، وَتُلِيَتْ فِيهِ الكُتُبُ الْأَرْبَعَةُ الْـمُنَزَّلَةُ مِنْ إِلَهِكُمْ عَزَّ وَجَلَّ، أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْتَ الَّذِي أَمْسَكَ الله عَزَّ وَجَلَّ الشَّمْسَ عَلَى يُوشَعَ بْنِ نُوْنٍ لِأَجْلِهِ أَنْ تَغْرُبَ؟ وَبَاعَدَ بَيْنَ خُطُوَاتِهَا لِيَتَيَسَّرَ فَتْحُهُ وَيَقْرُبَ؟ أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْتَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ مُوسَى أَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ بِاسْتِنْقَاذِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَّا رَجُلَانِ، وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِهِ فَأَلْقَاهُمْ فِي التِّيهِ عُقُوبَةً لِلْعِصْيانِ؟
فَاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي أَمْضَى عَزَائِمَكُمْ لَـمَّا نَكَلَتْ عَنْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَقَدْ فَضَّلَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَوَفَّقَكُمْ لِـمَا خُذِلَ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْـمَاضِينَ، وَجَمَعَ لِأَجْلِهِ كَلِمَتَكُمْ وَكَانَتْ شَتَّى، وَأَغْنَاكُمْ بِمَا أَمْضَتْهُ كَانَ وَقَدْ عَنْ سَوْفَ وَحَتَّى، فَلْيَهْنِكُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ ذَكَرَكُمْ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَجَعَلَكُمْ -بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ جُنُوداً لِأَهْوِيَتِكُمْ- جُنْدَهُ، وَشَكَرَكُمُ المَلَائِكَةُ الْـمُنَزَّلُونَ عَلَى مَا هَدَيْتُمْ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ مِنْ طَيِّبِ التَّوْحِيدِ، وَنَشْرِ التَّقْدِيسِ وَالتَّحْمِيدِ، وَمَا أَمَطْتُمْ عَنْ طُرُقِهِمْ فِيهِ مِنْ أَذَى الشِّرْكِ وَالتَّثْلِيثِ وَالِاعْتِقَادِ الْفَاجِرِ الْخَبِيثِ، فَالْآنَ يَسْتَغْفِرُ لَكُمْ أَمْلَاكُ السَّمَاوَاتِ، وَتُصَلِّي عَلَيْكُمُ الصَّلَوَاتِ الْـمُبَارَكَاتِ. فَاحْفَظُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- هَذِهِ الْـمَوْهِبَةَ فِيكُمْ، وَاحْرُسُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ عِنْدَكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا سَلِمَ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِعُرْوَتِهَا نَجَا وَعُصِمَ، وَاحْذَرُوا مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَمُوَافَقَةِ الرِّدَى، وَرُجُوعِ الْقَهْقَرَى، وَالنُّكُولِ عَنِ الْعِدَا، وَخُذُوا فِي انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ، وَإِزَالَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الْغُصَّةِ، وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَبِيعُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنْفُسَكُمْ فِي رِضَاهُ؛ إِذْ جَعَلَكُمْ مِنْ عِبَادِهِ.
وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَسْتَزِلَّكُمُ الشَّيْطَانُ وَأَنْ يَتَدَاخَلَكُمُ الطُّغْيَانُ فَيُخَيَّلَ إِلَيْكُمْ أَنَّ هَذَا النَّصْرَ بِسُيُوفِكُمُ الْحِدِادِ، وَبِخُيُولِكُمُ الْجِيَادِ، وَبِجِلَادِكُمْ فِي مَوَاطِنِ الْجِلَادِ، لَا وَاللهِ! {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وَاحْذَرُوا -عِبَادَ اللهِ- بَعْدَ أَنْ شَرَّفَكُمْ بِهَذَا الْفَتْحِ الْجَلِيلِ، وَالْـمَنْحِ الْجَزِيلِ، وَخَصَّكُمْ بِهَذَا الْفَتْحِ الْـمُبِينِ، وَأَعْلَقَ أَيْدِيَكُمْ بِحَبْلِهِ الْـمَتِينِ أَنْ تَقْتَرِفُوا كَثِيراً مِنْ مَنَاهِيهِ، وَأَنْ تَأْتُوا عَظِيماً مِنْ مَعَاصِيهِ، فَتَكُونُوا {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}، وَمِثْلَ {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}. الْجِهَادَ الْجِهَادَ! فَهُوَ أَفْضَلُ عِبَادَاتِكُمْ، وَأَشْرَفُ عَادَاتِكُمْ، انْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ، اذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، اشْكُرُوا اللهَ يَزِدْكُمْ وَيَشْكُرْكُمْ، جُدُّوا فِي حَسْمِ الدَّاءِ، وَقَطْعِ شَأْفَةِ الْأَعْدَاءِ، وَتَطْهِيرِ بَقِيَّةِ الْأَرْضِ مِنَ الْفِئَةِ الَّتِي أَغْضَبَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ، اقْطَعُوا فُرُوعَ الْكُفْرِ وَاجْتَثُّوا أُصُولَهُ، فَقَدْ نَادَتِ الْأَيَّامُ بِالثَّارَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَالْمِلَّةِ الْـمُحَمَّدِيَّةِ. اللهُ أَكْبَرُ.. فَتَحَ اللهُ وَنَصَرَ.. غَلَبَ اللهُ وَقَهَرَ.. أَذَلَّ اللهُ مَنْ كَفَرَ.
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ هَذِهِ فُرْصَةٌ فَانْتَهِزُوهَا، وَفَرِيسَةٌ فَنَاجِزُوهُا، وَمُهِمَّةٌ فَأَخْرِجُوا لهَا هِمَمَكُمْ وَبَرِّزُوهَا، وَسِيرُوا إِلَيْهَا سَرَايَا حَسَنَاتِكُمْ وَجَهِّزُوهَا، فَالْأُمُورُ بِأَوَاخِرَهَا، وَالْـمَكَاسِبُ بِذَخَائِرَهَا، فَقَدْ أَظْفَرَكُمُ اللهُ بِهَذَا الْعَدُوِّ الْـمَخْذُولِ، وَهُمْ مِثْلُكُمْ أَوْ يَزِيدُونَ، فَكَيْفَ وَقَدْ أَضْحَى فِي قُبَالَةِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. أَعَانَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى اتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ، وَالِازْدِجَارِ بِزَوَاجِرِهِ، وَأَيَّدَنَا مَعْشَرَ الْـمُسْلِمِينَ بِنَصْرٍ مِنْ عِنْدِهِ {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}..
ثُمَّ دَعَا لِلسُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ الْأَيُّوبِيِّ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ وَأَدِمْ سُلْطَانَ عَبْدِكَ، الْخَاضِعِ لِهَيْبَتِكَ، الشَّاكِرِ لِنِعْمَتِكَ، الْـمُعْتَرِفِ بِمَوْهِبَتِكَ، سَيْفِكَ الْقَاطِعِ، وَشِهَابِكَ اللَّامِعِ، الْـمُحَامِي عَنْ دِينِكَ الْـمُدَافِعِ، الذَّابِّ عَنْ حَرَمِكَ الْـمَانِعِ، السَّيَّدِ الْأَجَلِّ، الْـمَلِكِ النَّاصِرِ، جَامِعِ كَلِمَةِ الْإِيمَانِ، وَقَامِعِ عَبَدَةِ الصُّلْبَانِ، صَلَاحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، سُلْطَانِ الْإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينِ، مُطَهِّرِ الْبَيْتِ الْـمَقْدِسِ، أَبِي الْـمُظَفَّرِ يُوسَفَ بْنِ أَيُّوبَ مُحْيِي دَوْلَةِ أَمِيرِ الْـمُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ عُمَّ بِدَوْلَتِهِ الْبَسِيطَةَ، وَاجْعَلْ مَلَائِكَتَكَ بِرَايَاتِهِ مُحِيطَةً، وَأَحْسِنْ عَنِ الدِّينِ الْحَنِيفِيِّ جَزَاءَهُ، وَاشْكُرْ عَنِ الْمِلَّةِ الْـمُحَمِّدِيَّةِ عَزْمَهُ وَمَضَاءَهُ.. اللَّهُمَّ أَبْقِ لِلْإِسْلَامِ مُهْجَتَهُ، وَوَقِّ لِلْإِيمَانِ حَوْزَتَهُ، وَانْشُرْ فِي الْـمَشَارِقِ وَالْـمَغَارِبِ دَعْوَتَهُ. اللَّهُمَّ كَمَا فَتَحْتَ عَلَى يَدِهِ الْبَيْتَ الْـمَقْدِسَ بَعْدَ أَنْ ظُنَّتِ الظُّنُونُ وَابْتُلِيَ الْـمُؤْمِنُونَ.. فَافْتَحْ عَلَى يَدِهِ أَدَانِي الْأَرْضِ وَأَقَاصِيهَا، وَمَلِّكْهُ صَيَاصِيَ الْكَفَرَةِ وَنَوَاصِيَهَا، فَلَا تَلْقَاهُ مِنْهُمْ كَتِيبَةٌ إِلَّا مَزَّقَهَا، وَلَا جَمَاعَةٌ إِلَّا فَرَّقَهَا، وَلَا طَائِفَةٌ بَعْد طَائِفَةٍ إِلَّا أَلْحَقَهَا بِمَنْ سَبَقَهَا.. اللَّهُمَّ اشْكُرْ عَنْ مُحَمَّدٍ سَعْيَهُ، وَأَنْفِذْ فِي الْـمَشَارِقِ وَالْـمَغَارِبِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ بِهِ أَوْسَاطَ الْبِلَادِ وَأَطْرَافَهَا، وَأَرْجَاءَ الْـمَمَالِكِ وَأَكْنَافَهَا، اللَّهُمَّ ذَلِّلْ بِهِ مَعَاطِسَ الْكُفَّارِ، وَأَرْغِمْ بِهِ أُنُوفَ الْفُجَّارِ، وَانْشُرْ ذَوَائِبَ مُلْكِهِ عَلَى الْأَمْصَارِ، وَابْثُثْ سَرَايَا جُنُودِهَ فِي سُبُلِ الْأَقْطَارِ.. اللَّهُمَّ ثَبِّتِ الْـمُلْكَ فِيهِ وَفِي عَقِبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَاحْفَظْهُ فِي بَنِيهِ وَبَنِي أَبِيهِ الْـمُلُوكِ الْـمَيَامِينِ، وَاشْدُدْ عَضُدَهُ بِبَقَائِهِمْ، وَاقْضِ بِإِعْزَازِ أَوْلِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِمْ.. اللَّهُمَّ كَمَا أَجْرَيْتَ عَلَى يَدِهِ فِي الْإِسْلَامِ هَذِهِ الْحَسَنَةَ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ، وَتَتَخَلَّدُ عَلَى مَرِّ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، فَارْزُقْهُ الْـمُلْكَ الْأَبَدِيَّ الَّذِي لَا يَنْفَدُ فِي دَارِ الْـمُتَّقِينَ، وَأَجِبْ دُعَاءَهُ فِي قَوْلِهِ: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}..
انتهى بتصرف يسير جدًّا، النصف الأول من الخطبة من «البداية والنهاية» لابن كثير.. ونصفها الآخر من «الروضتين في أخبار النورية و الصلاحية» لأبي شامة..
هذا الذي وجدتُه من هذا الخطبة البليغة السنية مع بذلي الجهد المزيد في الحصول عليها كاملة.. وأظنها الآن أقرب ما تكون من الإكمال.. ومن أشكلت عليه كلمة فليسأل عنها..
ملحوظة: المسجد الأقصى ليس حرمًا كما ذكر الخطيب، ولا يوجد لدينا سوى حرمين: المكي والمدني.. وهذا لا يقلل من فضائل المسجد الأقصى، ومن أرادها فليراجع الخطبة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
|